مسافر
دائم إلى المجهول باحث عن المغامرة حاملا ً بداخله بداخل روحه المطحونة
بالإثارة الكثير من الأسئلة والإشكاليات... أستطاع أن يحقق حضورا لافتا في
عالم الدراما وأن يصنع رؤية مغايرة. امتزجت فيها الشفافية والواقعية قدم
نمطا جديدا من الرؤيا الإخراجية ضمن أسلوبية إبداعية مشوقة تناول قضايا
ومواضيع سياسية واجتماعية بجرأة وتفرد بخطه الدرامي الذي بدأ برسمه منذ
عمله الأول بقعة ضوء الذي سلط باتجاهه كل الأضواء.. إنه المخرج الشاب
الليث حجو
كنت شاهدا ًعلى تجربة «مسرح الشوك»
التي أسس لها والدك الممثل القدير //عمر حجو // والتي طرحت مفهوم جديد
للمسرح السياسي, ما الأثر الذي تركته بداخلك هذه البيئة الفنية ؟
«كاسك يا وطن»، و «غربة»، و «ضيعة تشرين» من الأعمال المطبوعة في ذاكرتي
والتي تركت بداخلي الكثير من الانطباعات ولكن ومع ذلك لم أفكر يوما ً بربط
مشروعي الفني بمسرح الشوك لأكتشف فيما بعد أن هناك تأثيراً باللاشعور في
التربية التي تلقيتها في البيت هو الذي عزز بداخلي هذا الحس الساخر الذي
كنت ميالا له منذ البداية دون أي تدخّل أو توجيه مباشر من قبل والدي.
بدأت مسيرتك الفنية بإخراج الإعلانات التجارية, ليتسع الطموح فيما بعد ويأخذك بريق الدراما ؟ ماذا تحدثنا عن بداياتك ؟
بدأت في إخراج الإعلانات التجارية، غير أن طموحي الفني كان أكبر من أن
تستوعبه مادة إعلانية لا تتجاوز الثواني القليلة، جذبني بريق الدراما
فبدأت كمخرج مساعد في مسلسل مرايا للأستاذ هيثم حقي ومن ثم للمخرج حاتم
علي حتى تبلورت الرؤية وانتهى المخاض الذي تولد عنه أولى أعمالي وأنكشف
الضوء عن الجزء الأول من بقعة ضوء عام 2006
مزجت
في // بقعة ضوء // بين الشفافية العالية والواقعية ضمن إطار فني ناقد
وساخر, إلى أي مدى استطعت أن تقدم رؤية بصرية بعيدة عن التهريج والابتذال
؟
بقعة ضوء كان صورة فنية محملة بمعان كثيرة تضع المتفرج في حالة من التفكيك
للوصول إلى دلالاتها الكثيرة حاولت من خلالها أن أقدم رؤية بصرية بعيدة عن
المبالغة, كانت محاولات مجنونة حين قدمتها لم أكن أملك أي تصور حول
النتائج أو كم ستكون مرضية, لم يكن هدفي الإضحاك فقط بل كانت الصور اقرب
إلى المضحك المبكي, جديد هذا العمل هو اتساع مساحة التجريب والجرأة في
الطرح السياسي لقد حاولنا توسيع حيز المسموح للوصول إلى أقصى مدى نستطيع
من خلاله التعبير بحرية ضمن إطار ساخر حاولنا المقاربة بين مختلف الأمزجة
والأطياف لم نتعالَ على الجمهور العادي ولم نقع في مطب التنظير ما قدمناه
كان فيه الكثير من الاحترام لذهنية المشاهد, لتبقى المبالغة في طريقة
الطرح شرط من شروط الكوميدية طالما أنها لم تأتِ على حساب النص.
كما أنني أجد الكوميدية دائما مظلومة نتيجة الرؤية النقدية التي تصنفها
تحت قائمة الأعمال الخفيفة لنرى البعض يتعالى بالفكر والاستعراض يبدو أن
الابتسامة تحرج بعض المثقفين وكأنها إساءة لمخزونه الثقافي هناك استخفاف
بنوع الكوميدية بالإضافة لبعض المطبات من خلال الذين أساؤوا وكأنك حين
تقول عمل كوميدي فهو ليس للنخبة أو للمثقفين, اشعر بالأسف حين تقدم مذيعة
ما مسلسل بقعة ضوء قائلة : العمل الكوميدي الخفيف, وكأنه وجبة صلطلة أمام
كل هذا الدسم الفني أتمنى أن يتذكر البعض بأن الفنان دريد لحام كان سفيرنا
إلى العالم بما قدمه من أعمال كوميدية.
من الكوميدية الساخرة إلى عمق مستنقع الحياة لنراك في أعمالك التالية تسلط
الضوء على الشرائح الاجتماعية البائسة والمهمشة في الحياة, هل هذا مسار
درامي جديد ؟
بقعة ضوء قدمت لي مساحة واسعة للتجريب بكل أنواعه وللتعرف على البيئات
المختلفة ووضعتني أمام شريحة كبيرة جدا من التركيبات البشرية والعلاقات
الاجتماعية فالمجتمع السوري يحوي خليطا كبيرا حاولت الاستفادة منه فنيا
لأقدم خصوصية كل بيئة حسب اقتضاء الضرورة الفنية مع الابتعاد عن السخرية،
ماقدمته في أعمالي التالية ليس نوع مختلف بل هو جزء تطور من مشروعي للدخول
إلى عمق الواقعية من خلال فرد مساحة من الوقت والزمن عبر النص الجيد
والمدروس بحرفية عالية الذي أتاح لي الغوص في عمق الأحداث والشخصيات
وإعطائها حقها.
لما كل هذا الإصرار على النهايات الحزينة في أعمالك, خاصة مع مسلسل // أهل
الغرام // الذي طرح في كل حلقة حكاية غير ناجحة, ألا ترى في ذلك شيء من
السوداوية؟
المشكلة ليست في النهايات الحزينة على الشاشة، إنما في النهايات الحزينة
في الحياة و أكثر ماشدني للنص وأغراني للاتجاه به كان هذه النهايات التي
حملت الهوية الأساسية للعمل.
لم نقدم فقط سوداوية الواقع ففي المقابل عرضنا لحظاته الإنسانية المفعمة
بالجمال.. حاولت تسليط الضوء على التفاصيل الحياتية التي نعيشها يوميا
فالحالة الإنسانية تتراوح بين الفرح والسوداوية ومهمة الدراما تسليط الضوء
على هذه الإشكالية للبحث عن حلول لها لم يكن هدف العمل منذ البداية طرح
الايجابيات وزركشتها, فالحالات الناجحة في الحياة قائمة يمكننا أن نحتفل
بها في مكان آخر بعيدا ً عن الدراما, العمل الاحتفالي ليس دراما بل هو
برنامج منوعات.. فالحياة تحمل في طياتها الكثير من السواد الذي تعجز
الدراما عن تقديمه لا على مستوى الرقابة الاجتماعية أو حتى التلفزيونية
فما قدم كان جزءاً بسيطاً من الواقع.
حمل العمل دعوى للمشاهدين لإرسال مالديهم من قصص وأفكار ما لهدف من هذه الدعوى ؟
كانت الفكرة مساحة جديدة من التجريب لمعرفة مدى اهتمام المشاهدين بهذه
النوعية و لاختبر مدى تفاعل المتلقي مع هذا النوع من العمل , في البداية
اعتقدت أننا نعيش زمنا معقدا لا أحد فيه مستعد لمتابعة هذه القصص أردت منح
المشاهد إحساساً بأنه شريك في العمل وليس مشاهداً فحسب، أردت إدخال
المشاهد لعمق العمل، الاهتمام كان كبيرا بالعمل وبالدعوة، إذ وصلتنا قرابة
خمسة آلاف رسالة, كانت الفكرة حالة اختبار لما قدمناه, فوجئت بمدى ميل
المشاهد إلى العمل الرومانسي البعيد عن صخب الحياة...لم أتوقع بأننا في
هذا الزمن مانزال بحاجة إلى هذا الكم من المشاعر.
تعتمد دائما ً على كسر القوالب المعتادة التي تأطر الفنان في دور واحد
مفصل على مقاسه, هذا التنوع في الطرح خاصة مع غياب الكومبارس ماذا أضاف
لأعمالك ؟
أنا أؤمن بقدرات الممثل وبأدواته قبل أن أؤمن بشكله فلاقواعد في الحياة
لشكل البخيل أو شكل الأناني, فالممثل هو الذي يخلق هذا الدور ويقنعنا به,
بقعة ضوء أعطتني مساحة كبيرة من التجريب وكانت فرصة استطعت معها أن أغامر
بشخصيات لم يتوقع البعض نجاحها استطعت معها أن أكسر الفكرة المسبقة لدى
المشاهد التي تصنف كل ممثل وتعطيه دوره المعتاد الذي ارتسم بالذاكرة.
أما مفهوم الكومبارس.... أردت أن أنفي فكرة الكومبارس نحن لدينا مشكلة مع
الكومبارس فحن ننظر في الشارع للأشخاص على أنهم كومبارس متجاهلين بأن هذا
الشخص هو عالم آخر، لديه همومه ومشاكله, لنرى الكومبارس على الشاشة مجرد
إكسسوار لإغناء المشهد ويبقى التركيز على الشخصيات الرئيسية أردت أن أركز
على هذه التفاصيل المنسية التي تخلق بتراكمها عالما ً كاملاً فلم أكن أملك
سوى أن أقنع الممثل بخلق هذه الشخصية والدخول في عمق تفاصيلها لتتحول هذه
الإكسسوارات إلى شخصيات مجسدة نافست في بعض لحظاتها شخصية البطل.
صلاحياتك كمخرج تمتد دائما ًلتشمل كافة تفاصيل العمل, ألا يخلق لك هذا نوع من المشاكل؟
دوري كمخرج لا يقتصر على ترجمات الورق فأنا المسؤول في النهاية عن النتائج
لأبدأ مع الكلمة الأولى للنص إلى حتى مراحل عرضه وهذا قد تسبب لي بالكثير
من المشاكل مع إدارة التلفزيون السوري بسب سوء توقيت عرض أعمالي فهل من
المعقول أن نرى المحطات الأخرى تحترم أعمالنا وتعطيها حقها فهل من الطبيعي
أن تجد عرضاً حصرياً لمسلسل«أهل الغرام» على فضائية عربية، في حين عرضته
الفضائية السورية في الساعة الخامسة صباحاً، وعندما استفسرت عن سر هذا
التوقيت الغريب كان جواب مدير الفضائية السورية بأن المستهدف من هذا
التوقيت هو المشاهد في أميركا اللاتينية ؟؟؟؟
جديدك الفني مسلسل // ضيعة ضايعة //.. ماذا تحدثنا عن هذا العمل وهل سنرى معه عودة للكوميديا ؟
//ضيعة ضايعة // مزاج و رؤية بصرية مختلفة عما قدمته إنه مشروع جديد مختلف
فيه نوع من الكوميديا المبالغةمع الكثير من التجريب الذي يقترب من
المغامرة,
تدور أحداث العمل في ضيعة مفترضة من مكان ما في هذا الكون بعيدة عن وسائل
الحضارة لتكون هي المكان الوحيد في العالم الناجي من ثورة التكنولوجيا و
الاتصالات , بيئة العمل ثابتة و الشخصيات ثابتة لنرى هذه الضيعة من وجهة
نظر معاكسة لنفرد المساحة لمشاكل الضيعة ببساطتها وسلبية شخصياتها التي
نجدها لاتقارن بمشاكلنا المعاصرة, العمل يطرح رؤية مغيرة للعيش بعيداً عن
عالم التكنولوجية.