حب في الممنوع
وقف أيهم يتفحّص هندامه أمام المرآة وكأنه يرى نفسه لأول مرة .
كان يتراقص على أنغام الجاز المنبعثة من آلة التسجيل
المهملة على الكوميدينو الخشبية ، وهو يشعر بأن العالم اليوم
أصغر من أن يتسع لفرحته.
وأخيرا ً سيرى سالي \ الحلم الجميل الذي داعب خياله لمدة سنتين كاملتين \ ..
بثــّها في هاتين السنتين كل لواعج حبه وإشتياقه وإستعداده لـلقاء هذه اللحظة الحاسمة ..
سنتين لم يكن التلفاز أو آلة التسجيل يعنيان له شيئا ً ، وربما كان
هذا من حسن حظ شقيقته ريم التي استفردت بهما دون شريك ،
بعد ان أصبح الشغل الشاغل في حياة أيهم هو جهاز
الكمبيوتر والانترنت والتشات وتوابعم ..
أصبحت صورتها التي أرسلتها له خلفية الشاشة في جهازه
وكانت أحلى مفاجأة يحصل عليها من حبيبته ،
بعد أن ظلت فترة طويلة تتمنــّع عن إعطاءه حتى إسمها الحقيقي ..
{ ياه ، أين كان مخرجوا السينما عن هذا الوجه الفوتوجينيه
وهذا الشعر المتهدل على نصف وجهها كنجمات الغوثيك اللواتي طالما حلم
بأن حبيبته سالي تشبه إحداهن }،
وما إن وقعت عيناه على صورتها التي أرسلتها له ،حتى تأكد بأن حدسه قد صدق لأول مرة ..
تمعّن في ملامحه لآخر مرة وهو يحدث نفسه :
{ هاقد أنهيت ُترتيباتي كلها ولم يبق بيني وبين جورج كلوني فرق ٌ يُذكر
، لم يبقَ سوى هذه لوردة الحمراء التي ستراها سالي في ياقة القميص لتعرفني } .
نزل أيهم السلالم وأقدامه تنهب الآرض نهبا ً ..
لم يصدق بأن 30 دقيقة تفصله عن موعد رؤية حلمه الثمين سالي ،
بل عن بداية حياته الجديدة ..
دخل الكافتريا وعيناه تمران كالبرق الخاطف على المقاعد وروادها
{ يبدو أني وصلت ُ مبكرا ً قليلا ً ،
حسنا ً ، أحيانا ً يكون إنتظار اللحظات السعيدة أمتع من اللحظات نفسها } .
إستدار ليطلب فنجانا ً من النسكافيه وعندما عاد بناظريه إلى طاولته
لم ينتبه إلى الشاب الذي إقترب منه وانحنى بادبٍ جم يسأله :
- أنت قيس صح ؟
- ــ نعم ، هل تعرفني ؟
- ــ نطقها الشاب بقلة إكتراث ولا مبالاة
- ــ أنا سالي . ! ! !
لا تعرف مايتوجب عليك فعله الآن ، هل ستقتلني ، أم ستنتظر قليلا ً لتفيق من الصدمة
وتستوعب مايجري حولك ..هل هذا صحيح ؟ ثم أردف بصوت ٍ بارد كالح
ــ على كل حال لدينا متسع من الوقت لردود الأفعال ، فأنا لا أنوي الرحيل وفي ذهنك علامة
استفهام ٍ واحدة ..
هل تمانع في أن أجلس ؟يبدو أنك لا تمانع ..شكرا ً .
{ يالبرودة دمه ، إنه يتكلم كأنه هو الضحية لا أنا ..
هل اتيت ُ لألتقي حبيبتي التي لا أعرفها ، أم اتيتُ لأن أتهور وارتكب جرية قتل
أو على الاقل شجاراً قد يؤدي إلى نتائج وخيمة ؟ ! ..
ــ إسمعني يا أيهم ، إسمي قيس ..لقد خُدعت مثلك في السابق،
خدعني شاب آخر وأوهمني أنه فتاة..
صُدمت وقتها كثيرا ً وانكسرت أحلامي كلها في لحظة واحدة ..
لكن الفرق أن ذلك الوغد الذي خدعني وأرسل لي نفس الصورة
التي أرسلتها لك ..لم يصارحني ،ولم يكن ليفعل ،
لو لم اكتشف ذلك بنفسي عن طريق الصدفة ..
لذلك قررتُ الإنتقام من أول شاب ٍ أتعرف إليه عن طريق التشات ،
ولسوء حظك كان أنت ، لكن للحظة ما أحسستُ أنك شاب
دمث الأخلاق وطيب القلب ، فقررتُ إنهاء هذه المسرحية القذرة
ووضع حدٍ لخداعي لك ، فأنت ليس لك ذنب ٌ في المعاناة
التي عشتها عندما خُدعتُ لأول مرة ..
لا تحزن يا صديقي ، ربما سنكون أصدقاء أوفياء ،
فنحن الإثنين خُدعنا ومررنا بنفس التجربة ،
والضربة التي لا تؤلمك عليها أن تقوّيك ..
هل ستقبل عرضي بأن نكون أصدقاء ، أم ستكتفي بقبول إعتذاري ،
وكلٌ منا يرحل في حال سبيله ؟
ــ أتركني الآن ياقيس ، سأذهب إلى البيت لأختلي بنفسي قليلا
ًثم نتكلم لا حقا ً على الإيميل كالمعتاد
ــ ولكن هذه المرة أيهم وقيس وليس أيهم و سالي ههه ..
لا تغضب أنا أريد ان ارفــّه عنك قليلا ً .. حسنا ً ، إلى اللقاء .
أصبح أيهم وقيس صديقين..
ربما وجود قيس في حياة أيهم وصداقته الرائعة له ، عوضّه عن خداعه
له و ملئ الفراغ الكئيب الذي تركته أزمته العاطفية بفقدانه لحبيبته الوهمية ..
اصبحت لقاءات الصديقين وزيارات قيس لأيهم جزءا ً من طقوسهم اليومية
،لكن أيهم لم يتنبأ بان قيس نفسه سيصبح جزءا ً من مستقبله بل من عائلته أيضا ً ..
فقد خطب قيس ، ريم شقيقة أيهم وتزوجها ،
وبعد سنة رُزق قيس بطفل جميل أسماه أيهم على
إسم خاله ، وخلال تلك الفترة لم ينقطع أيهم عن زيارة صديقة العزيز
أبو أيهم وأخته ومولودهما الجديد .
ذات مساء إتصلت ريم بأخيها أيهم :
ــ أيهم حبيبي ، تعال اليوم لتناول العشاء مع صاحبك أبو أيهم
لأننا نريدك أنا وهو في موضوع مهم ..
إنها مفاجأة سارة ، سلم على الماما وحاول أن تصحبها معك
ــ لا أدري ربما ...
ــ بل ستأتي ، لن ندعك أنا وأمك تمضي بقية حياتك
تدور على حل شعرك دون زواج .. لا تتأخر ،سلام .
ــ إنتظري ....
في بيت أخته ؛كان أيهم يداعب إبن أخته أيهم في الصالون
وفي كل عضة كان يصرخ بوجهه
ــ من اين تعلمت العض يا ابن الكــ ...؟
اذهب وعض أباك ريثما أرى أمك ماذا تخبّص وتعد لنا على العشاء ..
دخل أيهم إلى المطبخ
ــ ها .. لم استطع الإنتظار لأسمع أخبارك السعيدة ، أطربينا يا وجه الخير
ــ أتسخر ؟ طيب .. لك عندي عروس ستمضي طوال عمرك تدعي لأختك من أجلها ..
أدب وثقافة وجمال لا يوصف ..
ــ ياساتر .. ومن تكون نيكول كيدمان هذه ؟
ــ أتسخر مرة أخرى ؟
كن واثقا ً بأنها أجمل من هذه البرصاء التي تفتحون أفواهكم أنت وصاحبك قيس
كلما نظرتم إليها في التلفاز وكأنكم لم تروا فتيات في حياتكم ..
إنها إبنة جيراننا، أتت مع عائلتها من النرويج ليستقروا نهائيا ً هنا ..
صحيح أنها كانت تعيش في أوربا ولكنها ملتزمة ومثقفة ..
ــ ومااسم هذه التحفة النادرة يا منقذة التعساء في الأرض أمثالي ؟
ــ إسمها سالي ..!
أمسك أيهم بأخته من كتفيها وهو يهزها بعنف ..
ــ هل أنت ِمتأكدة بأنها فتاة ؟! ..
اطلقت ريم ضحكة ً عالية وهي تقف على باب المطبخ تنادي زوجها ليسمع
هذه الطرفة المضحكة ..
. ثم إستدارت تخاطب شقيقها وهي تضحك
ــ لا تقلق ..عاينتها بنفسي ، إنها ليست بنت فقط
بل ست البنات ، ثم عادت إلى الضحك ثانية